بسم الله الرحمن الرحيم قصة الضياع قبل أن أكتب لكم قصتي . سأعرفكم بنفسي ؛ أنا ..... ، أبلغ من العمر خمس سنوات ، منحني الله سبحانه وتعالى قدرة فائقة على حفظ الأماكن - ولله الحمد ، قولوا ما شاء الله - فأنا باستطاعتي أن أحفظ الأماكن والشوارع من الوهلة الأولى . وقد كانوا أهلنا يصطحبونا - نحن الأطفال – إلى سوق الغنم والمواشي حينما يريدون أن يشتروا بعض الخراف لعيد الأضحى المبارك . وفي كل سنة تختلف أعداد الخراف التي نشتريها، وذلك تمشّياً مع عدد أفراد الأسرة التي تريد أن تشتري الأضحية، ولكن عادتاً تكون بين الثلاثة والعشرة . وقبل أن نركب السيارة ... جمعونا أهلنا وأوصونا بأن لا نفترق عن بعضنا في السوق ، وأن نطيع الأوامر وأن لا نبكي في حال أن ضاع أحداً منا وذلك كي لا يشعر بضياعنا ضعاف النفوس ونتعرض من خلالهم للخطف . وبعد تلك الإرشادات والنصائح القيمة ركبنا السيارة ... وكان عدد الكبار فينا ثلاثة من الرجال وهم - زوج خالتي و ابنه ، وابن خالتي الأخرى - وكنا تقريباً سبعة أطفال . وتحركت السيارة باتجاه السوق ، وكانوا الأطفال يمرحون ويلعبون في سيارتنا التي تسير باتجاه السوق ، وكنت أراقب الطريق وأتأمل الأماكن التي دخلنا فيها ، من لفات وإشارات مرورية .. وغير ذلك . وتوقفت السيارة في سوق الغنم والمواشي .. وكنا قي قمة سعادتنا وفرحنا ، وكنا نقف عند كل بائع ويكلمه زوج خالتي بحكم كبر سنه وخبرته ويستفسر منه عن الأسعار . وأنا أتأمل الخراف وأقلب بصري في المواشي والبقر .. وكنت من شدة التأمل فيهم أنسى نفسي ومن حولي حتى يجذبوني من يدي لأسير معهم من جديد لبائع آخر . وفي هذه المرة شدَّ انتباهي أمر ما ( سأفرده بقصة مستقلة : باسم سبب الضياع ) جعلني مشدوهة تماما ، ولم أشعر بمن حولي ، وجلست أتأمل هذا المنظر حتى انتهى .
تلفت حولي فلم أجد أحدًا منهم . فقلت لنفسي : انتظري حتى يعودوا إليك مرة أخرى . انتظرت حتى طال انتظاري ، فمللت من الانتظار . وقلت لنفسي : أسير من الطريق الذي أتينا من خلاله. وبدء يداخلني شعور بالخوف ، وكلما سالت دموعي كففتها بظهر كفي حتى لا يعرف أحد بأني ضائعة فيخطفني . سرت طويلا جدا حتى وصلت إلى الشارع ، وهنا كان الأمر شاقـًا عليَّ لصغر سني وخوفاً من أن لا ينتبه السائق لوجودي فيدهسني ، وقفت طويلا .... ولم يقف لي أي أحد من السائقين حتى أعبر الشارع . قد يكون السبب صغر سني . رآني شخص من بعيد ، وأشار إلي ، تعالي لتعبري الطريق معي ، ولكني كففت دموعي بسرعة . وأشرت إليه برأسي علامة رفضي أن أعبر معه الشارع . مكثت فترة أخرى طويلة وأنا واقفة على قدمي الصغيرتين ، دون أن يهتم بي أحد من السائقين . أخيرا سنحت لي الفرصة لعبور الشارع ، عبرت الشارع وأنا أعاني من خوف شديد . الحمد لله وصلت للجانب الآخر ، وأنا بخير . سرت بحذر أبحث عن هدف واضح يقودني إلى المنزل دون أن يعرف أحد بأني ضائعة ، وجدت المسجد النبوي أمامي على مسافة بعيدة جدا . فرحت جدا بهذا الهدف ، وحثثت الخطى بقدمي الصغيرتين حتى وصلت إليه . عندما نظرت إليه وجدت أننا في الزاوية المعاكسة لبيتنا – أي عليَّ أن أدور حول زاويتين من زوايا المسجد حتى أصل لبيتنا . سرت تلك المسافة الطويلة جدًا ودموعي تنهمر على خدي ، وعندما ألاحظ ، أي شخص يقترب مني أمسح دموعي بسرعة حتى لا يراها فيخطفني . وفي الطريق .. صادفني رجل معه هدية ، حاول أن يعطيني ولكني رفضته بإباء . فنحن لم نتعود أن نأخذ شيئًا من أحد بغير إذن والدينا . تابعت سيري حتى وصلت إلى البيت . وعندما رأيت أمي ارتميت بحضنها ، وذرفت كل الدموع التي حبستها في الطريق ، وحكيت لها كل ما حدث لي أثناء الطريق . وعندما هدئت أنفاسي سألت أمي : ألم يحضروا بعد ؟ قالت لي : اذهبي لبيت خالتك لتعرفي ذلك بنفسك ؟ توجهت إلى بيت خالتي فورًا ، وعندما رأيتها ، تعجبت من رؤيتي !! وقالت لي : ألم تكوني معهم ؟ ماذا حدث ؟ قصصت عليها القصة ، وفي أثنائها وصل الركب الذين تركوني لوحدي في مكان بعيد جدًا ، بالنسبة للكبار ، فما بالكم بمن هي في عمري ؟ سألني ولد خالتي ألم تكوني معنا فكيف سبقتنا إلى هنا ؟ سبحان الله حتى لم يشعروا بفقدهم لي حتى رأوني أمامهم . نسيت موضوع ضياعي وانشغلت بمشاهدة الخراف . والفرح بهم ، واللعب معهم .