"بسم الله الرحمن الرحيم سبب الضياع سأكمل لكم بإذن الله تعالى . الأمر شدَّ انتباهي أمر ، وجلست أتأمله حتى انتهى . لقد رأيت منظرا لا يمكن أن أنساه طوال عمري . لقد رأيت أمامي عملية مساومة بين البائع والمشتري على شراء بقرة . وهذه البقرة لها ابن رضيع ، من شدة صغره يثير الشفقة ، يدور حول أمه ليلتمس حنانها . البائع متمسك بالسعر والشاري يخفض في السعر ، وفي الأخير تم البيع . لقد حاولوا أخذ البقرة بعيدة عن رضيعها ، لكن البقرة أبت أن تتحرك قيد شبر ، حاولوا ... وحاولوا . وفي النهاية جاءوا بحبل غليظ وربطوها به وسحبوها بشدة . وعندما فقدت البقرة قدرتها عن المقاومة هنا حدث أمر أذهلني جدا ومازالت تلك الصورة مرتسمة في خيال ، وكأن الحادثة حصل معي بالأمس . لقد رأيت دموعًا غزيرة تسيل من عيني البقرة ( أعذروني فأنا الآن أكتب لكم ... ودموعي تنهمر من عيني ) فراقًا لرضيعها . وتصدر أنينا يفتت القلوب ، تعبيرًا ...
عن حرِّ الألم الذي تجده في صدرها . لم يرحمها البائع وأتم بيعه ( وقد نهى الرسول الرحيم صلى الله عليه وسلم عن فصل الأم عن رضيعها ، حتى يتم فطامه ) . كان والدي رحمه الله في كل عام يشتري لنا خرافًا . وفي هذا العام اشترى لنا بقرة جميلة جدًا ، أحببتها كثيرًا . كنت أطعمها وأنا بعيدة عنها خوفًا منها – لأن حجمها كبير جدا بالنسبة لصغر حجمي – وكانت كلما رأتني تقترب مني أكثر ، فأبتعد عنها خوفًا منها .
في هذا العام أشترى حارسنا خروفـًَا أبيضًا صغيرًا ، أحببناه كلنا الصغار والكبار . وأحبته بقرتنا كثيرا ، وكانت تداعبه وتلعب معه كأنه ابنها . لقد رأت أختي في ليلة من الليالي – طبعًا لم تخبرني ذلك إلا بعد سنوات عديدة – أن البقرة ترضع هذا الخروف كأنه ابنها ، وكان هو يرضع منها أيضًا . جاء يوم العيد ، ونحن فرحون جدًا بالعيد ، ولأننا سنرى الأضحية . المهم جاء الجزار وذبح البقرة . وبدأ بسلخها ، حتى وصل إلى ضرعها . وهنا كانت المفاجأة للجميع . لقد سال من الضرع كميات كبيرة من الحليب حتى اختلط بالدم من غزارته ، حتى اضطر الجزار أن يفصل الضرع عن الجسد قبل أن يكمل السلخ – هذه الأمور لم أشاهدها ، لا أذكر الآن لماذا – ولا أدري أين كنت حينها . ولكن عندما علمت بذلك امتنعت عن أكل اللحم ( على فكره أنا لا أحب أكل اللحم الأحمر بصفة عامة ، قد يكون هذا هو السبب ) ، لأنني تذكرت منظر السوق ، وعرفت أن البقرة التي رأيتها هناك ، كانت بقرتنا الحبيبة . قالت لي أمي بعد أن كبرت : أن البقرة كانت تجمع الحليب في ضرعها تدخره لابنها ، ظنـًا منها أنها متى وجدته أرضعته لبنها ، الذي تجمعه له . بالرغم من أن الحراس كان يوميا يحلبها ، وقد حرص على حلبها قبل ذبحها ، حتى لا يسيل حليبها . الرجال لهم خبره في هذا الأمر . هذا هو سبب ضياعي ، فهل ترون معي أن الموقف كان مذهلا حقـًا لفتاة في الخامسة من عمرها . وأنه من المستحيل عليها أن تنساه أبدًا